يقول كاتب القصة :
حدث أن فاتتني صلاة الفجر، وهي صلاة من كان
يحافظ عليها، ثم فاتـته فسيحس بضيقة شديدة طوال اليوم عند ذلك. تكرر معي
نفس الأمر في اليوم الثاني، فقلت لابد وأن في الأمر شيء، ثم تكررت للمرة
الثالثة على التوالي؛ هنا كان لابد من الوقوف مع النفس وقفة حازمة
لتأديبها حتى لا تركن لمثل هذه الأمور فتروح بي إلى النار قررت أن أدخل
القبر حتى أؤدبها ! ولابد أن ترتدع وأن تعلم أن هذا هو منـزلها ومسكنها
إلى ما يشاء الله. وكل يوم أقول لنفسي دع هذا الأمر غداً وجلست أسوف في
هذا الأمر حتى فاتـتني صلاة الفجر مرة أخرى.حينها قلت: كفى . وأقسمت أن
يكون الأمر هذه الليلة.
ذهبت بعد منتصف الليل، حتى لا يراني أحد، وتفكرت: هل أدخل من الباب ؟
حينها سأوقظ حارس المقبرة! أو لعله غير موجود! أم أتسور السور ؟ إن
أوقظته لعله يقول لي تعال في الغد، أو حتى يمنعني ، وحينها يضيع قسمي،
برغم أنني دخلت هذه المقبرة كثيراً كمشيع، إلا أنني أحسست أنني أراها لأول
مرة.ورغم أنها كانت ليلة مقمرة، إلا أنني أكاد أقسم أنني ما رأيت أشد
منها سواداً تلك الليلة، كانت ظلمة حالكة، سكون رهيب.هذا هو صمت
القبور بحق، تأملتها كثيراً من أعلى السور، واستـنشقت هوائها، نعم إنها
رائحة القبور، أميزها عن ألف رائحة، رائحة الحنوط، رائحة بها طعم الموت
وجلست أتفكر للحظات مرت كالسنين ..
إيه أيتها القبور، ما أشد صمتك وما أشد ما تخفينه، ضحك ونعيم، وصراخ
وعذاب أليم، ماذا سيقول لي أهلك لو حدثتهم ؟ لعلهم سيقولون قولة الحبيب
صلى الله عليه وسلم: الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم (.
قررت أن أهبط حتى لا يراني أحد في هذه الحالة، فلو رآني أحد فإما سيقول
أنني مجنون وإما أن يقول لديه مصيبة، وأي مصيبة بعد ضياع صلاة الفجر عدة
مرات.
هبطت داخل المقبرة، وأحسست حينها برجفة في القلب، والتصقت بالجدار ولا
أدري لأحتمي من ماذا؟ عللت ذلك لنفسي بأنه خشية من المرور فوق القبور
وانتهاكها، أنا لست
جباناً، لكنني شعرت بالخوف حقا !نظرت إلى الناحية الشرقية والتي بها
القبور المفتوحة والتي تنتظر ساكنيها. إنها أشد بقع المقبرة سواداً ،
وكأنها تناديني، مشتاقة إليَّ : متى
ستكون فيَّ ؟
أمشي محاذراً بين القبور، وكلما تجاوزت قبراً تساءلت أشقي أم سعيد ؟
أهل الزنى؟ لعل من تجاوزت قبره الآن كان يظن أنه أشد أهل الأرض قوة، وأن
شبابه لن يفنى؟ وأنه لن يموت كمن مات قبله؟ أم أنه كان يقول: ما زال في
العمر بقية، سبحان من قهر الخلق بالموت
أبصرت الممر، حتى إذا وصلت إليه، ووضعت قدمي عليه، أسرعت نبضات قلبي
فالقبور يميني ويساري، وأنا ارفع نظري إلى الناحية الشرقية، ثم بدأت أولى
خطواتي، بدت وكأنها
دهر، أين سرعة قدمي؟ ما أثقلهما الآن، تمنيت أن تطول المسافة ولا تنتهي ابداً، لأنني أعلم ما ينتظرني هناك.
اعلم، فقد رأيت القبر كثيرا، ولكن هذه المرة مختلفة تماماً أفكار عجيبة،
أكاد أسمع همهمة خلف أذني، نعم، أسمع همهمة جليّة، وكأن شخصاً يتنفس خلف
أذني، خفت أن أنظر خلفي، خفت أن أرى أشخاصاً يلوحون إليّ من بعيد، خيالات
سوداء تعجب من القادم في هذا الوقت، بالتأكيد أنها وسوسة من الشيطان، لا
يهمني شيء طالما أنني قد صليت العشاء في جماعه.
أخيراً، أبصرت القبور المفتوحة، أقسم للمرة الثانية أنني ما رأيت أشد منها
سواداً، كيف أتتني الجرأة حتى أصل بخطواتي إلى هنا ؟ بل كيف سأنزل في
هذا القبر ؟ وأي شئ ينتظرني في الأسفل ؟ فكرت بالإكتفاء بالوقوف و أن
أصوم ثلاثة أيام تكفيراً لقسمي ولكن لا .... لن أصل إلى هنا ثم أقف،
تأنس نفسي. ما أشد ظلمته، وما أشد ضيقه، كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تكون
حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة؟ سبحان الله. يبدو أن الجو قد
إزداد برودة، أم هي قشعريرة في جسدي من هذا المنظر؟ هل هذا صوت الريح ؟
استعذت بالله من الشيطان الرجيم، ثم أنزلت الشماغ ووضعته على الأرض ثم
جلست وقد ضممت ركبتي أمام صدري أتأمل هذا المشهد العجيب، إنه المكان الذي
لا مفر منه أبداً، سبحان الله، نسعى لكي نحصل على كل شيء، وهذه هي
النهاية: لاشئ .
كم تنازعنا في الدنيا، اغتبنا، تركنا الصلاة، آثرنا الغناء على القرآن،
والكارثة أننا نعلم أن هذا مصيرنا، وقد حذّرنا الله منه ورغم ذلك نتجاهل.
أشحت بوجهي ناحية القبور وناديتهم بصوت خافت، وكأني خفت أن يرد عليّ
أحدهم: يا أهل القبور ، مالكم ؟ أين أصواتكم ؟ أين أبناؤكم عنكم اليوم
؟ أين أموالكم؟ أين وأين؟ كيف هو الحساب ؟ أخبروني عن ضمة القبر،
أتكسر الأضلاع ؟ أخبروني عن منكر و نكير، أخبروني عن حالكم مع الدود !
سبحان الله، نستاء إذا قدم لنا أهلنا طعام بارد أو لا يوافق شهيتنا، واليوم .. نحن الطعام، لابد من النزول إلى القبر .
قمت وتوكلت على الله، ونزلت برجلي اليمين، وافترشت شماغي، ووضعت رأسي
مرة واحدة؟
نمت على ظهري وأغلقت عينيَّ حتى تهدأ ضربات قلبي، حتى تخف هذه الرجفة التي
في الجسد، ما أشده من موقف وأنا حي فكيف سيكون عند الموت ؟
حدث أن فاتتني صلاة الفجر، وهي صلاة من كان
يحافظ عليها، ثم فاتـته فسيحس بضيقة شديدة طوال اليوم عند ذلك. تكرر معي
نفس الأمر في اليوم الثاني، فقلت لابد وأن في الأمر شيء، ثم تكررت للمرة
الثالثة على التوالي؛ هنا كان لابد من الوقوف مع النفس وقفة حازمة
لتأديبها حتى لا تركن لمثل هذه الأمور فتروح بي إلى النار قررت أن أدخل
القبر حتى أؤدبها ! ولابد أن ترتدع وأن تعلم أن هذا هو منـزلها ومسكنها
إلى ما يشاء الله. وكل يوم أقول لنفسي دع هذا الأمر غداً وجلست أسوف في
هذا الأمر حتى فاتـتني صلاة الفجر مرة أخرى.حينها قلت: كفى . وأقسمت أن
يكون الأمر هذه الليلة.
ذهبت بعد منتصف الليل، حتى لا يراني أحد، وتفكرت: هل أدخل من الباب ؟
حينها سأوقظ حارس المقبرة! أو لعله غير موجود! أم أتسور السور ؟ إن
أوقظته لعله يقول لي تعال في الغد، أو حتى يمنعني ، وحينها يضيع قسمي،
برغم أنني دخلت هذه المقبرة كثيراً كمشيع، إلا أنني أحسست أنني أراها لأول
مرة.ورغم أنها كانت ليلة مقمرة، إلا أنني أكاد أقسم أنني ما رأيت أشد
منها سواداً تلك الليلة، كانت ظلمة حالكة، سكون رهيب.هذا هو صمت
القبور بحق، تأملتها كثيراً من أعلى السور، واستـنشقت هوائها، نعم إنها
رائحة القبور، أميزها عن ألف رائحة، رائحة الحنوط، رائحة بها طعم الموت
وجلست أتفكر للحظات مرت كالسنين ..
إيه أيتها القبور، ما أشد صمتك وما أشد ما تخفينه، ضحك ونعيم، وصراخ
وعذاب أليم، ماذا سيقول لي أهلك لو حدثتهم ؟ لعلهم سيقولون قولة الحبيب
صلى الله عليه وسلم: الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم (.
قررت أن أهبط حتى لا يراني أحد في هذه الحالة، فلو رآني أحد فإما سيقول
أنني مجنون وإما أن يقول لديه مصيبة، وأي مصيبة بعد ضياع صلاة الفجر عدة
مرات.
هبطت داخل المقبرة، وأحسست حينها برجفة في القلب، والتصقت بالجدار ولا
أدري لأحتمي من ماذا؟ عللت ذلك لنفسي بأنه خشية من المرور فوق القبور
وانتهاكها، أنا لست
جباناً، لكنني شعرت بالخوف حقا !نظرت إلى الناحية الشرقية والتي بها
القبور المفتوحة والتي تنتظر ساكنيها. إنها أشد بقع المقبرة سواداً ،
وكأنها تناديني، مشتاقة إليَّ : متى
ستكون فيَّ ؟
أمشي محاذراً بين القبور، وكلما تجاوزت قبراً تساءلت أشقي أم سعيد ؟
أهل الزنى؟ لعل من تجاوزت قبره الآن كان يظن أنه أشد أهل الأرض قوة، وأن
شبابه لن يفنى؟ وأنه لن يموت كمن مات قبله؟ أم أنه كان يقول: ما زال في
العمر بقية، سبحان من قهر الخلق بالموت
أبصرت الممر، حتى إذا وصلت إليه، ووضعت قدمي عليه، أسرعت نبضات قلبي
فالقبور يميني ويساري، وأنا ارفع نظري إلى الناحية الشرقية، ثم بدأت أولى
خطواتي، بدت وكأنها
دهر، أين سرعة قدمي؟ ما أثقلهما الآن، تمنيت أن تطول المسافة ولا تنتهي ابداً، لأنني أعلم ما ينتظرني هناك.
اعلم، فقد رأيت القبر كثيرا، ولكن هذه المرة مختلفة تماماً أفكار عجيبة،
أكاد أسمع همهمة خلف أذني، نعم، أسمع همهمة جليّة، وكأن شخصاً يتنفس خلف
أذني، خفت أن أنظر خلفي، خفت أن أرى أشخاصاً يلوحون إليّ من بعيد، خيالات
سوداء تعجب من القادم في هذا الوقت، بالتأكيد أنها وسوسة من الشيطان، لا
يهمني شيء طالما أنني قد صليت العشاء في جماعه.
أخيراً، أبصرت القبور المفتوحة، أقسم للمرة الثانية أنني ما رأيت أشد منها
سواداً، كيف أتتني الجرأة حتى أصل بخطواتي إلى هنا ؟ بل كيف سأنزل في
هذا القبر ؟ وأي شئ ينتظرني في الأسفل ؟ فكرت بالإكتفاء بالوقوف و أن
أصوم ثلاثة أيام تكفيراً لقسمي ولكن لا .... لن أصل إلى هنا ثم أقف،
تأنس نفسي. ما أشد ظلمته، وما أشد ضيقه، كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تكون
حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة؟ سبحان الله. يبدو أن الجو قد
إزداد برودة، أم هي قشعريرة في جسدي من هذا المنظر؟ هل هذا صوت الريح ؟
استعذت بالله من الشيطان الرجيم، ثم أنزلت الشماغ ووضعته على الأرض ثم
جلست وقد ضممت ركبتي أمام صدري أتأمل هذا المشهد العجيب، إنه المكان الذي
لا مفر منه أبداً، سبحان الله، نسعى لكي نحصل على كل شيء، وهذه هي
النهاية: لاشئ .
كم تنازعنا في الدنيا، اغتبنا، تركنا الصلاة، آثرنا الغناء على القرآن،
والكارثة أننا نعلم أن هذا مصيرنا، وقد حذّرنا الله منه ورغم ذلك نتجاهل.
أشحت بوجهي ناحية القبور وناديتهم بصوت خافت، وكأني خفت أن يرد عليّ
أحدهم: يا أهل القبور ، مالكم ؟ أين أصواتكم ؟ أين أبناؤكم عنكم اليوم
؟ أين أموالكم؟ أين وأين؟ كيف هو الحساب ؟ أخبروني عن ضمة القبر،
أتكسر الأضلاع ؟ أخبروني عن منكر و نكير، أخبروني عن حالكم مع الدود !
سبحان الله، نستاء إذا قدم لنا أهلنا طعام بارد أو لا يوافق شهيتنا، واليوم .. نحن الطعام، لابد من النزول إلى القبر .
قمت وتوكلت على الله، ونزلت برجلي اليمين، وافترشت شماغي، ووضعت رأسي
مرة واحدة؟
نمت على ظهري وأغلقت عينيَّ حتى تهدأ ضربات قلبي، حتى تخف هذه الرجفة التي
في الجسد، ما أشده من موقف وأنا حي فكيف سيكون عند الموت ؟
عدل سابقا من قبل eng_medo في الأربعاء ديسمبر 24, 2008 11:25 pm عدل 3 مرات