حكم الاختلاط في الإسلام
د. صلاح الدين سليم أرقه دان
كتب الأخ (م.ز):
(ما حكم الاختلاط في الإسلام؟ وما هي الضوابط الشرعية التي يجب علينا الالتزام بها؟ وما هي حدود العلاقة والحوار مع الجنس الآخر)؟
الخلاصة
نهى الشرع عن كل قول أو عمل يؤدي إلى مفسدة، أكان بين الجنس الواحد أو بين الجنسين.
الخلوة غير الشرعية بين الإناث والذكور حرام بإجماع علماء الأمة.
أما التعامل بين الجنسين ولقائهما المحكوم بالضوابط والآداب الإسلامية فلا حرج منه، كان في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) وخلفائه الراشدين (رضي الله عنهم) وما زال معمولا به بين المسلمين حتى اليوم.
التفصيل، وبالله التوفيق
السؤال عن الاختلاط من المسائل التي طال فيها الجدل واختلف فيها أهل العلم ما بين مبيح مع الضوابط الشرعية، ومتشدد في التحريم مهما كانت الضوابط الشرعية، وبذلك وقع البعض بين إفراط وتفريط أدى إلى الحرج.
وقبل الخوض في المسألة لابد من تعريف المراد بالاختلاط، كي لا يقع الخلط بين هذه المسألة ومسائل أخرى كالخلوة الشرعية.
فقد عرّف ابن منظور في كتابه (لسان العرب) الاختلاط فقال: "خَلَطَ الشيء بالشيء يَخْلِطُه خَلْطاً وخَلَّطَه فاخْتَلَطَ: مَزَجَه واخْتَلَطا. وخالطَ الشيءَ مُخالَطة وخِلاطاً: مازَجَه. والخِلْطُ: ما خالَطَ الشيءَ، وجمعه أَخْلاطٌ. والخِلْطُ: واحد أَخْلاطِ الطِّيب". "والخِلاط: اخْتِلاطُ الإِبِل والناسِ والمَواشي". [انتهى قول ابن منظور].
وجاء في القاموس المحيط للفيروزبادي: "خَلَطَهُ يَخْلِطُهُ وخَلَّطَهُ: مَزَجه فاخْتَلَطَ. وخالَطَهُ مُخالَطَةً وخِلاطاً: مازَجَه". "ورجُلٌ خِلْطٌ مِلْطٌ: مُخْتَلِطُ النَّسَبِ. وامرأةٌ خِلْطَةٌ: مُخْتَلِطَةٌ بالناس". "والخَلِيطُ: الشَّريكُ، والمُشارِكُ في حُقوقِ المِلْكِ كالشِّرْبِ والطَّريقِ، ومنه الحديثُ: "الشَّريكُ أوْلَى من الخَلِيطِ، والخَلِيطُ أوْلَى من الجار". وأرادَ بالشَّريك المُشارِكَ في الشُّيوعِ، والزَّوْجُ، وابنُ العَمِّ، والقومُ الذين أمْرُهُمْ واحِدٌ". "الخَلِيطانِ: الشَّريكانِ لم يَقْتَسِمَا الماشية". "والخَلْطُ، بالفتحِ، وككتِفٍ وعُنُقٍ: المُخْتَلِطُ بالناس، المُتَمَلِّقُ إليهم، ومن يُلْقِي نساءه ومتاعَهُ بين الناسِ". [انتهى قول ابن الفيروزبادي].
وجاء في تاج العروس للزبيدي: "وقال المرزوقي: أصل الخلط: تداخل أجزاء الشيء بعضها في بعض وإن توسع فقيل: خلط لمن يختلط كثيرا بالناس، فاختلط الشيء: امتزج. وخالطه مخالطة وخلاطا: مازجه". "وامرأة خِلطة، بالكسر: مختلطة بالناس متحجبة، وكذلك رجل خلط". "والخليط: الزوج. والخليط: ابن العم. والخليط: القوم الذين أمرهم واحد. قال الجوهري: وهو واحد وجمع". "وخليط القوم: المخالط، كالنديم للمنادم، والجليس للمجالس، كما في الصحاح، وقيل: لا يكون إلا في الشركة، والجمع: خلط، بضمتين". "ومنه قوله تعالى: وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض . وقال ابن عرفة: الخليط: من خالطك في متجر أو دين أو معاملة أو جوار. وقال الجوهري: وإنما كثر ذكر الخليط في أشعارهم لأنهم كانوا ينتجعون أيام الكلإ فتجتمع منهم قبائل شتى في مكان واحد، فتقع بينهم ألفة، فإذا تفرقوا ورجعوا إلى أوطانهم ساءهم ذلك". "قال الشافعي: وقد يكون الخليطان: الرجلين يتخالطان بماشيتهما، وإن عرف كل واحد ماشيته، قال: ولا يكونان خليطين حتى يريحا ويسرحا ويسقيا معا، وتكون فحولهما مختلطة، فإذا كانا هكذا صدقا صدقة الواحد بكل حال. قال: وإن تفرقا في مراح أو سقي أو فحول فليسا خليطين، ويصدقان صدقة الاثنين". [انتهى كلام الزبيدي].
وبهذا نرى أن الاختلاط لغة هو تداخل الأفراد والأجزاء من الناس وغيرهم.
وعندما يطلق أهل العلم لفظة (الاختلاط) يقصدون اختلاط النساء بالرجال الأجانب، وقد ورد هذا عند أهل اللغة واضحاً في كلام الفيروزبادي والزبيدي كما مر أعلاه، ومن صوره اجتماع بعضهم مع بعض مع ما يصاحب ذلك من النظر والمحادثة. ولا يخلو الاجتماع البشري من ضرورة اجتماع الذكور بالإناث لاسيما في ميادين عامة كصلاة الجماعة والجمع والعيدين (في الحرمين الشريفين وفي بيت المقدس على وجه الخصوص) وفي الجامعات والمستشفيات والدوائر الحكومية والمحاكم والأسواق ووسائل المواصلات الخاصة والعامة، وإن كان البعض يرى أن كل ما ذكر إنما يحكم بالضرورة وأنه استثناء من أصل المنع، ويرى غيرهم أنه مباح على أن يلتزم الطرفان بالضوابط الشرعية من غض البصر وخفض الصوت وعدم التبسط بالكلام أو التطرق إلى مواضيع يحرمها الشرع أو يستنكرها العرف.
ومن أدلة المبيحين:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}.. إلى قوله سبحانه: {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء}[البقرة/282] ولا يخفى أن تحمّل المرأة الشهادة يستلزم حضورها ما تشهد عليه من المسائل والقضايا، والإجماع على جواز حضورها وما يقتضيه من اجتماعها بأطراف المعاملة من القضاة والشهود، وقد يغلب -بحكم الواقع- الرجال على النساء في مثل هذه الأمور.
ومن أدلتهم ما أخرجه الإمام البخاري: "لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه (رضي الله عنهم)، فما صنع لهم طعامًا ولا قرَّبه إليهم إلا امرأته أم أُسيد".
وما أخرجه الإمام البخاري في غزو النساء مع الرجال، عن الربيع بنت معوّذ، قالت: "كنا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) نسقي ونداوي الجرحى ونردّ القتلى إلى المدينة"، وما رواه البخاري أيضاُ "أن عائشة وأم سليم (رضي الله عنهما) كانتا تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم". وما أخرجه الإمام مسلم عن أنس بن مالك، قال: "كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء ويداوين الجرحى". وفي كل هذه الحالات –كما لا يخفى- لابد من تعامل مباشر بين النساء والرجال.
أما أدلة المانعين، فمنها:
قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[الأحزاب/33]، وقوله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[الأحزاب/53]. وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب/59].
وما أخرجه مسلم عن أسامة بن زيد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).
وما أخرجه الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). وما جاء في السنن عن النبي (صلى الله عليه وسلم): (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها).
فائدة
تحكم التعامل والتعايش وغيره من تصرفات الإنسان المسلم (ذكراً وأنثى) قواعد الفقه الإسلامي، ومنها: "درء المفاسد وجلب المصالح"، فلو كان في اختلاط الذكر بالإناث أو الأنثى بالذكور مفسدة راجحة، فساعتئذ يحرم الاختلاط، وإلا فلا. وقد يحرم في مجتمع وظرف معين ما لا يحرم في مجتمع وظرف وآخر بحسب هذه القاعدة المذكورة.
د. صلاح الدين سليم أرقه دان
كتب الأخ (م.ز):
(ما حكم الاختلاط في الإسلام؟ وما هي الضوابط الشرعية التي يجب علينا الالتزام بها؟ وما هي حدود العلاقة والحوار مع الجنس الآخر)؟
الخلاصة
نهى الشرع عن كل قول أو عمل يؤدي إلى مفسدة، أكان بين الجنس الواحد أو بين الجنسين.
الخلوة غير الشرعية بين الإناث والذكور حرام بإجماع علماء الأمة.
أما التعامل بين الجنسين ولقائهما المحكوم بالضوابط والآداب الإسلامية فلا حرج منه، كان في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) وخلفائه الراشدين (رضي الله عنهم) وما زال معمولا به بين المسلمين حتى اليوم.
التفصيل، وبالله التوفيق
السؤال عن الاختلاط من المسائل التي طال فيها الجدل واختلف فيها أهل العلم ما بين مبيح مع الضوابط الشرعية، ومتشدد في التحريم مهما كانت الضوابط الشرعية، وبذلك وقع البعض بين إفراط وتفريط أدى إلى الحرج.
وقبل الخوض في المسألة لابد من تعريف المراد بالاختلاط، كي لا يقع الخلط بين هذه المسألة ومسائل أخرى كالخلوة الشرعية.
فقد عرّف ابن منظور في كتابه (لسان العرب) الاختلاط فقال: "خَلَطَ الشيء بالشيء يَخْلِطُه خَلْطاً وخَلَّطَه فاخْتَلَطَ: مَزَجَه واخْتَلَطا. وخالطَ الشيءَ مُخالَطة وخِلاطاً: مازَجَه. والخِلْطُ: ما خالَطَ الشيءَ، وجمعه أَخْلاطٌ. والخِلْطُ: واحد أَخْلاطِ الطِّيب". "والخِلاط: اخْتِلاطُ الإِبِل والناسِ والمَواشي". [انتهى قول ابن منظور].
وجاء في القاموس المحيط للفيروزبادي: "خَلَطَهُ يَخْلِطُهُ وخَلَّطَهُ: مَزَجه فاخْتَلَطَ. وخالَطَهُ مُخالَطَةً وخِلاطاً: مازَجَه". "ورجُلٌ خِلْطٌ مِلْطٌ: مُخْتَلِطُ النَّسَبِ. وامرأةٌ خِلْطَةٌ: مُخْتَلِطَةٌ بالناس". "والخَلِيطُ: الشَّريكُ، والمُشارِكُ في حُقوقِ المِلْكِ كالشِّرْبِ والطَّريقِ، ومنه الحديثُ: "الشَّريكُ أوْلَى من الخَلِيطِ، والخَلِيطُ أوْلَى من الجار". وأرادَ بالشَّريك المُشارِكَ في الشُّيوعِ، والزَّوْجُ، وابنُ العَمِّ، والقومُ الذين أمْرُهُمْ واحِدٌ". "الخَلِيطانِ: الشَّريكانِ لم يَقْتَسِمَا الماشية". "والخَلْطُ، بالفتحِ، وككتِفٍ وعُنُقٍ: المُخْتَلِطُ بالناس، المُتَمَلِّقُ إليهم، ومن يُلْقِي نساءه ومتاعَهُ بين الناسِ". [انتهى قول ابن الفيروزبادي].
وجاء في تاج العروس للزبيدي: "وقال المرزوقي: أصل الخلط: تداخل أجزاء الشيء بعضها في بعض وإن توسع فقيل: خلط لمن يختلط كثيرا بالناس، فاختلط الشيء: امتزج. وخالطه مخالطة وخلاطا: مازجه". "وامرأة خِلطة، بالكسر: مختلطة بالناس متحجبة، وكذلك رجل خلط". "والخليط: الزوج. والخليط: ابن العم. والخليط: القوم الذين أمرهم واحد. قال الجوهري: وهو واحد وجمع". "وخليط القوم: المخالط، كالنديم للمنادم، والجليس للمجالس، كما في الصحاح، وقيل: لا يكون إلا في الشركة، والجمع: خلط، بضمتين". "ومنه قوله تعالى: وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض . وقال ابن عرفة: الخليط: من خالطك في متجر أو دين أو معاملة أو جوار. وقال الجوهري: وإنما كثر ذكر الخليط في أشعارهم لأنهم كانوا ينتجعون أيام الكلإ فتجتمع منهم قبائل شتى في مكان واحد، فتقع بينهم ألفة، فإذا تفرقوا ورجعوا إلى أوطانهم ساءهم ذلك". "قال الشافعي: وقد يكون الخليطان: الرجلين يتخالطان بماشيتهما، وإن عرف كل واحد ماشيته، قال: ولا يكونان خليطين حتى يريحا ويسرحا ويسقيا معا، وتكون فحولهما مختلطة، فإذا كانا هكذا صدقا صدقة الواحد بكل حال. قال: وإن تفرقا في مراح أو سقي أو فحول فليسا خليطين، ويصدقان صدقة الاثنين". [انتهى كلام الزبيدي].
وبهذا نرى أن الاختلاط لغة هو تداخل الأفراد والأجزاء من الناس وغيرهم.
وعندما يطلق أهل العلم لفظة (الاختلاط) يقصدون اختلاط النساء بالرجال الأجانب، وقد ورد هذا عند أهل اللغة واضحاً في كلام الفيروزبادي والزبيدي كما مر أعلاه، ومن صوره اجتماع بعضهم مع بعض مع ما يصاحب ذلك من النظر والمحادثة. ولا يخلو الاجتماع البشري من ضرورة اجتماع الذكور بالإناث لاسيما في ميادين عامة كصلاة الجماعة والجمع والعيدين (في الحرمين الشريفين وفي بيت المقدس على وجه الخصوص) وفي الجامعات والمستشفيات والدوائر الحكومية والمحاكم والأسواق ووسائل المواصلات الخاصة والعامة، وإن كان البعض يرى أن كل ما ذكر إنما يحكم بالضرورة وأنه استثناء من أصل المنع، ويرى غيرهم أنه مباح على أن يلتزم الطرفان بالضوابط الشرعية من غض البصر وخفض الصوت وعدم التبسط بالكلام أو التطرق إلى مواضيع يحرمها الشرع أو يستنكرها العرف.
ومن أدلة المبيحين:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}.. إلى قوله سبحانه: {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء}[البقرة/282] ولا يخفى أن تحمّل المرأة الشهادة يستلزم حضورها ما تشهد عليه من المسائل والقضايا، والإجماع على جواز حضورها وما يقتضيه من اجتماعها بأطراف المعاملة من القضاة والشهود، وقد يغلب -بحكم الواقع- الرجال على النساء في مثل هذه الأمور.
ومن أدلتهم ما أخرجه الإمام البخاري: "لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه (رضي الله عنهم)، فما صنع لهم طعامًا ولا قرَّبه إليهم إلا امرأته أم أُسيد".
وما أخرجه الإمام البخاري في غزو النساء مع الرجال، عن الربيع بنت معوّذ، قالت: "كنا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) نسقي ونداوي الجرحى ونردّ القتلى إلى المدينة"، وما رواه البخاري أيضاُ "أن عائشة وأم سليم (رضي الله عنهما) كانتا تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم". وما أخرجه الإمام مسلم عن أنس بن مالك، قال: "كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء ويداوين الجرحى". وفي كل هذه الحالات –كما لا يخفى- لابد من تعامل مباشر بين النساء والرجال.
أما أدلة المانعين، فمنها:
قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[الأحزاب/33]، وقوله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[الأحزاب/53]. وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب/59].
وما أخرجه مسلم عن أسامة بن زيد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).
وما أخرجه الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). وما جاء في السنن عن النبي (صلى الله عليه وسلم): (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها).
فائدة
تحكم التعامل والتعايش وغيره من تصرفات الإنسان المسلم (ذكراً وأنثى) قواعد الفقه الإسلامي، ومنها: "درء المفاسد وجلب المصالح"، فلو كان في اختلاط الذكر بالإناث أو الأنثى بالذكور مفسدة راجحة، فساعتئذ يحرم الاختلاط، وإلا فلا. وقد يحرم في مجتمع وظرف معين ما لا يحرم في مجتمع وظرف وآخر بحسب هذه القاعدة المذكورة.